نظرة إلى المستقبل.. هل تستطيع كتلة البريكس إضفاء الديمقراطية على الاقتصاد العالمي؟

إن إضافة إثيوبيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين ومصر وإيران إلى كتلة البريكس هو تعزيز لنضال طويل لإنهاء هيمنة واشنطن على هذا الكوكب في نهاية المطاف.
لقد حُكم العالم في الأعوام الثمانين الماضية وفقاً للنموذج الذي وضعته فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في أواخر الأربعينيات، وشهدت تلك الحقبة إنشاء الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي باعتبارها المؤسسات الثلاث التي ستحكم وتسيطر على الاقتصادات والحكومات والمسائل الأمنية لجميع الدول القومية في العالم.
كل هذه المؤسسات الثلاث تقع في الولايات المتحدة دولة قومية واحدة استخدمت أنظمة العبودية والليبرالية الجديدة والحروب للسيطرة على كل دولة قومية أخرى في العالم.
لقد تم هذا الافتراض لمكانة القوة العظمى العالمية من قبل الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع حلفائها في أوروبا الغربية المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والبرتغال وبلجيكا وإيطاليا بشكل رئيسي الذين استخدموا أنظمة الاستعمار الاستيطاني ومصادرة الأراضي والفصل العنصري والإبادة الجماعية المفتوحة للاستيلاء على الناس والمحيطات والمناظر الطبيعية في الجنوب العالمي للحفاظ على السيطرة العليا.
لذلك كان الهدف من إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة إضفاء الطابع الرسمي على هذا النظام العالمي ومأسساته والحفاظ عليه بل وتطبيعه في نفسية كل إنسان يعيش على هذه الأرض، ويتحدد هذا النظام بهيمنة الغرب على موارد ومعارف واقتصادات وحكومات وثقافات الشرق وأفريقيا وجزر أمريكا اللاتينية.
أولئك الذين اختاروا مقاومة هذا الإرهاب المؤسسي للغرب تعرضوا للاستعباد والاستغلال والتجريد من الإنسانية وحتى الاغتيال، وحيثما شعر هذا النظام الغربي بأنه مهدد بشدة بسبب النضالات المتنامية لإنهاء الاستعمار، فإنه سيعيد ضبط نفسه ويحول ذراع سيطرته إلى مخططات القوة التي لا تقهر مثل التمويل والتجارة والمعرفة والوجود والحكم والفكر.
ولذلك فإن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة موجودون لتحقيق هذا الهدف الاستعماري الجديد، لدى الأمم المتحدة هيكل يسمى مجلس الأمن، الذي يهيمن عليه ثلاثة حلفاء استعماريين الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة والدولتين القوميتين المناهضتين للغرب في الصين وروسيا، لقد كان هذا الهيكل هو الذي يحدد أنماط الحروب في جميع أنحاء العالم خلال الثمانين عامًا الماضية خارج نطاق ولاية غالبية دول العالم.
لقد ظل صندوق النقد الدولي يمنح القروض للدول الفقيرة التي مزقها الاستعمار والإمبريالية، وقد استخدم الغرب هذه القروض كسلاح لإبقاء البلدان الأفريقية محاصرة في الفقر وتراجع التصنيع والبطالة الجماعية حيث يتعين عليها إعطاء المواد الخام بأسعار رخيصة للغرب لإعادة شرائها كمنتجات تامة الصنع باهظة الثمن، بالإضافة إلى ذلك، فقد تم تحديد هذه القروض بشروط تقشفية حيث لا يسمح للدول الأفريقية باستخدامها لتنمية شعوبها.
ومن ناحية أخرى، كان البنك الدولي أكبر مركز أبحاث في العالم فيما يتعلق بالتنمية حيث أنتج مفاهيم ومقترحات سياسية خارجة عن سياقها وليبرالية جديدة للحكومات الأفريقية، مما يبقيها في حالة من التخلف الدائم عن التنمية.
هل تستطيع كتلة البريكس خلق نظام عالمي متعدد الأقطاب؟
لقد ولدت هذه الأنظمة الهيكلية للاستعمار الجديد كتلة البريكس التي صاغت مساراً بديلاً للتنمية، حيث يتم إضفاء الطابع الديمقراطي على التجارة والسلام والأمن والتنمية البشرية والاستقلال وتحديدها لصالح جميع سكان الأرض.
وتتقاسم الدول الإحدى عشرة التي تشكل الآن كتلة البريكس الجديدة ثلث الاقتصاد العالمي فيما بينها وما يقرب من نصف سكان العالم، وإذا سُمح لبقية الدول الأربعين المتبقية المهتمة بالانضمام إلى كتلة البريكس بحلول عام 2030، فإن الكتلة ستمثل غالبية سكان العالم والفطيرة الأكبر للاقتصاد العالمي.
وبعبارة أخرى، سيتم إضفاء الطابع الديمقراطي على اقتصاد العالم وأمنه، ويُخلق أخيراً نظام متعدد الأقطاب.
وعلى هذا فإن بنك التنمية الجديد سوف يشكل مؤسسة بالغة الأهمية في العقد المقبل، ولا بد من توفير الموارد والدعم والتمكين على نطاق واسع حتى تتمكن من الحلول محل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبدء في لعب دور أكثر إنتاجية من خلال السماح للبلدان بامتلاك مواردها بشكل مستقل وتحديد مساراتها الخاصة نحو السلام والأمن ووضع السياسات والحكومات من أجل تنمية شعوبها، وأخيراً، وضع قواعد التجارة الخاصة بها لتحقيق أقصى قدر من الفائدة.
في جوهر الأمر، يتطلب مستقبل “البريكس بلس” اليقظة المستمرة، وخاصة ضد هذا النوع من الأعداء الذي أثبت في الماضي أنه يرفض الموت حتى لو كان ذلك يعني استخدام التهديدات النووية للحفاظ على مكانته كحصان يحتضر.