السعودية وتداعيات انضمامها إلى مجموعة البريكس
عندما تنضم دولة بحجم ووزن المملكة العربية السعودية إلى كتلة البريكس، فإن المناقشة تتحول بطبيعة الحال إلى فوائد الكتلة، وليس فقط الدولة المدعوة، وليس من المبالغة القول إن الكتلة ستكون المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق الجيوستراتيجي الكبير في العلاقات الدولية.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في تصريح متلفز، إن وجود السعودية في البريكس يساعد على تعزيز القدرة التنافسية للمجموعة، وهذا ما تؤكده التحليلات والأرقام على حد سواء، تعد المملكة العربية السعودية لاعباً إقليمياً ودولياً مهماً ومورداً موثوقاً للطاقة وقوة توازن أساسية في أسواق الطاقة العالمية.
كما تعد المملكة العربية السعودية ذات ثقل في الاستثمار والتجارة الدولية وشريك مهم للاقتصادات الكبرى، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة واليابان والهند وكوريا الجنوبية، كل هذا يوضح تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي قال إن من بين المعايير التي يتم أخذها في الاعتبار عند مناقشة توسع مجموعة البريكس، ثقل البلاد ومكانتها ومواقعها على الساحة الدولية.
الصين أحد الأعضاء الرئيسيين في مجموعة البريكس، هي الشريك التجاري الأكثر أهمية للمملكة العربية السعودية، الناتج المحلي الإجمالي للمملكة يتجاوز تريليون دولار، والصين تتصدر قائمة الدول الشريكة، إذ تمثل 17% من التجارة الخارجية للسعودية.
وزادت التجارة الثنائية بنحو 31%، تليها الهند، وهي عضو مؤثر آخر في الكتلة، بحوالي 9% من التجارة مع المملكة العربية السعودية، وتشمل الدول العشر الأولى في القائمة التجارية للمملكة العربية السعودية أيضاً دولتين عربيتين انضمتا مؤخراً إلى البريكس، وهما الإمارات العربية المتحدة ومصر.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن هذا يؤكد أهمية عضوية المملكة العربية السعودية بالنسبة للأعضاء الآخرين في البريكس، ومن المتوقع أن تستفيد جميع الأطراف بشكل متبادل من فتح الأسواق السعودية أمام تجارتها والعكس صحيح، وبشكل عام، تعد المملكة العربية السعودية الشريك التجاري الأكثر أهمية لأعضاء البريكس في الشرق الأوسط.
ولذلك، يمكن تناول هذه القضية في المقام الأول من منظور التنمية والتنويع الاقتصادي، بدلا من التركيز فقط على الصراع الجيوستراتيجي، كما يتم التأكيد عليه أحيانا في تحليل عضوية البريكس.
تداعيات عضوية البريكس على المملكة العربية السعودية
ولا ينفي هذا المنظور حقيقة أن العضوية تمنح السعودية ميزة مؤثرة في المناورة السياسية والدبلوماسية في علاقاتها مع الغرب، وهذا نهج معقول ومقبول على نطاق واسع ويجسد التوجهات الجديدة للمملكة العربية السعودية، وهي ملتزمة بمصالح شعبها والانفتاح والمصالح المشتركة في كافة علاقاتها الدولية.
تتعاون المملكة العربية السعودية مع كتلة البريكس لأسباب اقتصادية وتجارية في المقام الأول، بينما تسترشد في سياستها الخارجية بمبادئ أساسية مثل التوازن والاعتدال.
ولذلك فإن عضوية البريكس لا تتعارض مع الدور النشط للمملكة العربية السعودية في مجموعة العشرين، بل على العكس من ذلك، فهو مكمل لها من وجهة نظر المملكة العربية السعودية، ويتوافق مع نهجها في العلاقات الدولية، والذي يركز على إيجاد أرضية مشتركة وتعزيز التفاهم وتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين.
وينبغي أن يؤخذ دور الرياض في مجموعة العشرين في الاعتبار عند تحليل دورها المتوقع داخل كتلة البريكس، حيث استضافت المملكة العربية السعودية، الدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين بنجاح قمة المجموعة لعام 2020 خلال واحدة من أصعب الأوقات التي يمر بها الاقتصاد العالمي.
في ذلك الوقت، كانت جائحة كوفيد-19 تنتشر في جميع البلدان، مما تسبب في توقف النشاط الاقتصادي، وتفوقت الدبلوماسية السعودية في إيجاد أرضية مشتركة للمشاركة الجماعية لدول مجموعة العشرين في مكافحة الوباء وتخفيف آثاره الاقتصادية والاجتماعية المدمرة.
تعد عضوية المملكة العربية السعودية في كتلة البريكس خطوة مهمة في تعزيز دور المملكة العالمي، إن العالم يتطور بسرعة، ولا يمكن لدولة كبيرة ونافذة مثل المملكة العربية السعودية أن تظل معزولة عن المشهد العالمي المتغير، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحماية مصالحها الحيوية.
إن العلاقات والتحالفات الاستراتيجية القائمة مع الدول الرئيسية في الشرق والغرب لا يمكن أن تحل محل العضوية في هذه التكتلات المؤثرة، خاصة في مجالي التجارة والاستثمار.
منذ إنشائها في عام 2006، كان الهدف الرئيسي لكتلة البريكس، التي تمثل حوالي 26% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، هو تعزيز المكانة العالمية والنفوذ العالمي لدولها الأعضاء باعتبارها اقتصادات ناشئة أو نامية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن معظم الدول الأعضاء لديها اقتصادات سريعة النمو، مثل الصين والهند، وتمثل البريكس أيضاً حوالي 41% من سكان العالم، مما يجعلها سوقاً مهمة لكل من الإنتاج والاستهلاك.
وبشكل عام، فإن الأحداث الأخيرة، مثل استضافة الاجتماع الدولي لمعالجة الأزمة الأوكرانية ودعوة الرياض للانضمام إلى كتلة البريكس، هي مؤشرات على النفوذ العالمي المتنامي للمملكة العربية السعودية.
ويعود الفضل في هذا التغيير إلى القيادة السعودية وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً، قاد بلاده إلى آفاق جديدة وأعاد وضعها استراتيجياً في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والسياسة والإعلام والسياحة، وحتى قطاع النفط.
وبذلك تكون المملكة العربية السعودية قد أرست أساساً متيناً ومتيناً لتحقيق تطلعات وطموحات شبابها الذين يحملون أحلاماً وتطلعات كبيرة للتنمية.
وقد سخر الأمير الشاب هذه الطاقات الهائلة بمهارة في مشاريع وخطط مستقبلية واعدة، وكلها تتماشى مع مصالح المملكة العربية السعودية الجديدة.